الفصل الرابع: فتح الله كولن وفلسفة البناء بلا عنف

فهرس المقال

فقه الحضارة

يجعل كولن من عناصر (الإيمان، والزمن، والهدف) أركانًا لاستراتيجية بناء الحضارة. وإذا ما تأملنا هذه المصادرة القانونية الثلاثية، رأيناها تضمِّن العامل الإنساني في أطراف المعادلة جميعًا؛ إذ القاسم المشترك بينها هو الإنسان.. ونستطيع قراءة هذه المعادلة كالتالي: الإنسان (المؤمن، صاحب الهدف، المستغل للزمن)، هو الذي يبني الحضارة.

ومثل هذا التقعيد لمقومات الحضارة وبنائها، رأيناه حاضرًا في كتابات المفكرين وفلاسفة المدنيات، ولعل أقرب هؤلاء إلى الأستاذ كولن المفكر مالك بن نبي، فقد ألفيناه هو أيضًا يشترط للنهضة وقيام الحضارة ثلاثة أركان = التراب + الزمن+ الإنسان.

ويمكن قراءة تمثُّل آخر لكولن يتعلق برؤيته لبناء الحضارة، محدداتُه هي (الله، الكون، الإنسان)؛ حيث تمثل الأستاذ أن وازع الإيمان هو أصل جوهري في الكون، وأن روح الإيمان ماثلة في الوجود، في صورة نداء يسري في العوالم، يردد معاني هذا التجلي الله - الكون - الإنسان الذي هو تسبيح بحقيقة ما فطر الله عليه الكائنات والكون، من حتمية التجدد والاستمرار. فهذا النداء هو صوت الفطرة الإلهية المنغرسة في صميم كل كائن، والمركوزة في حنايا كل مخلوق.

إن دورة المواسم مثلاً، هي تجسيد حي لهذه الفطرة التعميرية التي جبَل الله عليها مخلوقاته، وإن قانون التكاثر وعشق فصائل الجنس لمُكمِّلاته من ذات الجنس، هو عنوان آخر على فطرة التعمير التي هيَّأ الله بها الكون، وختم على ما يستوطنه من أشياء وأحياء، بل هو تسبيح معنوي وحسي تشهده قلوب النورانيين، وتشارك في نسج أنغامه، فأرواحهم هي في الحقيقة آلاتٌ تصدر عنها أنغام الذكر والشكر كما يصدر صوت الشجن عن الناي.

إن الصبغة الإنسانية الراسخة للإسلام، هي من أبرز البواعث التي تحتّم على المسلمين أن ينشروه ويستنقذوا به البشرية مما ترسف فيه من تفاقم الأيديولوجيات المضللة والفلسفات التجريبية القاصرة عن تحقيق الحد الأدنى من الطمأنينة والسلامة، وإن طرق الدعوة وإن تعددت اليوم، إلا أن أمثل الكيفيات التي تناسب إذاعة الدين الحنيف بين العالمين، هي أن يتقوى المسلمون، ويبنوا المدنية التي تحمل طابع الإسلام، وتعكسه روحيًّا وماديًّا، فيكون الطراز المدني المنجز خير دعاية ودعوة للإسلام.

  • تم الإنشاء في
جميع الحقوق محفوظة موقع فتح الله كولن © 2024.
fgulen.com، هو الموقع الرسمي للأستاذ فتح الله كولن.